الكوكب المزدحم
مازلتُ أحرص حتى اليوم على الجلوس قرب النافذة كلما سافرت بالطائرة.. وكثيرا ما أدخل في شجار حقيقي مع الآخرين لهذا السبب.. ففي كل مرة أنظر فيها من نافذة الطائرة أكتشف إلهاما جديدا أو حقيقة جيولوجية منسية.. وفي آخر مرة سافرت فيها أخذت أحسب المسافة التي تفصل بين المناطق المأهولة بالسكان.. كالقرى والمزارع والبلدات.. وذلك بضرب سرعة الطائرة في الوقت الذي تقطعه بين نقطتين
ورغم اعترافي بعدم دقة هذه الوسيلة إلا أنها تعطي فكرة تقريبية عن مساحات الفراغ.. الهائلة.. التي تفصل بين المناطق المأهولة لدينا.. فالطبيعة الجافة للدولة، وشح الغطاء النباتي فيها، حدّا من كثافة الاستيطان البشري وركّزاها في مدن وبؤر مدنية عملاقة.. وهذا بعكس مانراه في الدول ذات المناخ المعتدل حيث تكاد المدن تتصل مع بعضها بواسطة القرى والمزارع ومعامل الإنتاج الغذائي
*******
وفي حين تبدو بلادنا العربية من الأعلى خالية من البشر؛ توجد في المقابل دول مزدحمة وصلت بها كثافة الناس حدا يصعب تحمله؛ ففي اليابان وهونج كونج ومكاو وموناكو ضاقت الأرض بأهلها وأصبح حتى دفن الموتى مشكلة قومية.. وهي مشكلة ليست جديدة بالكامل حيث توجد مدن ودول امتلأت تماما منذ زمن طويل؛ ففي فينيس الايطالية مثلا لم يُبن أي منزل جديد منذ ألف عام، وتمتلئ جزيرة مانهاتن في نيويورك بناطحات السحاب لأنه منذ مائة عام لم يبق فيها مجال للتوسع الأفقي.. أما موناكو فازدحمت بالسكان لدرجة بناء البيوت فوق طوافات عائمة منذ الحرب العالمية الثانية.. أما عاصمة المالديف.. ماليه.. فتعد الجزيرة الوحيدة في العالم التي تتصل فيها مساكن الناس من الشاطئ.. للشاطئ
وظاهرة "التراص" هذه بدأت تلاحظ حتى على نطاق الأمم والدول الكبيرة؛ ففي انجلترا مثلا توسعت المدن لدرجة لم تعد المسافات بينها تزيد على أربعين كيلومترا . وفي الولايات المتحدة تكاد مدن الساحل الشرقي.. من نيوانجلد شمالا حتى فلوريدا جنوبا.. تتصل مع بعضها لتشكل مدينة واحدة عملاقة . وفي اليابان نسمع عن طوكيو ويوكوهاما وكاواساكي؛ ولكن على أرض الواقع اتصلت هذه المدن مع بعضها لتشكل منطقة حضرية هائلة.. وكان عدد المدن التي يزيد سكانها على 10 ملايين نسمة قد وصل في هذا العام إلى 22 مدينة تتقدمها طوكيو.. ب 25 مليون نسمة.. يليها بومبي ونيويورك وسيئول وسان باولو ومكسيكوسيتي.. وجميعها يزيد عدد سكانها على 20 مليون نسمة
*******
حين تتمدد المدن وتزدحم بهذا الشكل من الطبيعي أن تتراجع المجتمعات الريفية وينصهر الجميع في مجتمع حضري عملاق.. وهناك بالفعل دول كثيرة اختفت فيها الحياة الريفية تماما وتحول سكانها بنسبة مائة في المائة إلى حياة المدن.. مثل هونج كونج وبلجيكا وسنغافورة وموناكو .. وكان عام 2007 قد شكل علامة فارقة في تاريخ البشرية كون سكان المدن أصبحوا.. لأول مرة في التاريخ.. أكثر من سكان القرى والأرياف على كوكب الأرض
المشكلة التي سيواجهها الجميع في المستقبل هي: لو تحول جميع البشر لحياة المدن، من سيتبقى لفلاحة الأرض وإنتاج الطعام؟
مازلتُ أحرص حتى اليوم على الجلوس قرب النافذة كلما سافرت بالطائرة.. وكثيرا ما أدخل في شجار حقيقي مع الآخرين لهذا السبب.. ففي كل مرة أنظر فيها من نافذة الطائرة أكتشف إلهاما جديدا أو حقيقة جيولوجية منسية.. وفي آخر مرة سافرت فيها أخذت أحسب المسافة التي تفصل بين المناطق المأهولة بالسكان.. كالقرى والمزارع والبلدات.. وذلك بضرب سرعة الطائرة في الوقت الذي تقطعه بين نقطتين
ورغم اعترافي بعدم دقة هذه الوسيلة إلا أنها تعطي فكرة تقريبية عن مساحات الفراغ.. الهائلة.. التي تفصل بين المناطق المأهولة لدينا.. فالطبيعة الجافة للدولة، وشح الغطاء النباتي فيها، حدّا من كثافة الاستيطان البشري وركّزاها في مدن وبؤر مدنية عملاقة.. وهذا بعكس مانراه في الدول ذات المناخ المعتدل حيث تكاد المدن تتصل مع بعضها بواسطة القرى والمزارع ومعامل الإنتاج الغذائي
*******
وفي حين تبدو بلادنا العربية من الأعلى خالية من البشر؛ توجد في المقابل دول مزدحمة وصلت بها كثافة الناس حدا يصعب تحمله؛ ففي اليابان وهونج كونج ومكاو وموناكو ضاقت الأرض بأهلها وأصبح حتى دفن الموتى مشكلة قومية.. وهي مشكلة ليست جديدة بالكامل حيث توجد مدن ودول امتلأت تماما منذ زمن طويل؛ ففي فينيس الايطالية مثلا لم يُبن أي منزل جديد منذ ألف عام، وتمتلئ جزيرة مانهاتن في نيويورك بناطحات السحاب لأنه منذ مائة عام لم يبق فيها مجال للتوسع الأفقي.. أما موناكو فازدحمت بالسكان لدرجة بناء البيوت فوق طوافات عائمة منذ الحرب العالمية الثانية.. أما عاصمة المالديف.. ماليه.. فتعد الجزيرة الوحيدة في العالم التي تتصل فيها مساكن الناس من الشاطئ.. للشاطئ
وظاهرة "التراص" هذه بدأت تلاحظ حتى على نطاق الأمم والدول الكبيرة؛ ففي انجلترا مثلا توسعت المدن لدرجة لم تعد المسافات بينها تزيد على أربعين كيلومترا . وفي الولايات المتحدة تكاد مدن الساحل الشرقي.. من نيوانجلد شمالا حتى فلوريدا جنوبا.. تتصل مع بعضها لتشكل مدينة واحدة عملاقة . وفي اليابان نسمع عن طوكيو ويوكوهاما وكاواساكي؛ ولكن على أرض الواقع اتصلت هذه المدن مع بعضها لتشكل منطقة حضرية هائلة.. وكان عدد المدن التي يزيد سكانها على 10 ملايين نسمة قد وصل في هذا العام إلى 22 مدينة تتقدمها طوكيو.. ب 25 مليون نسمة.. يليها بومبي ونيويورك وسيئول وسان باولو ومكسيكوسيتي.. وجميعها يزيد عدد سكانها على 20 مليون نسمة
*******
حين تتمدد المدن وتزدحم بهذا الشكل من الطبيعي أن تتراجع المجتمعات الريفية وينصهر الجميع في مجتمع حضري عملاق.. وهناك بالفعل دول كثيرة اختفت فيها الحياة الريفية تماما وتحول سكانها بنسبة مائة في المائة إلى حياة المدن.. مثل هونج كونج وبلجيكا وسنغافورة وموناكو .. وكان عام 2007 قد شكل علامة فارقة في تاريخ البشرية كون سكان المدن أصبحوا.. لأول مرة في التاريخ.. أكثر من سكان القرى والأرياف على كوكب الأرض
المشكلة التي سيواجهها الجميع في المستقبل هي: لو تحول جميع البشر لحياة المدن، من سيتبقى لفلاحة الأرض وإنتاج الطعام؟